سورة هود - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


قوله: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} معطوف على {ولقد وأرسلنا نوحاً}: أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم: أي: واحداً منهم، وهوداً عطف بيان، وقوم عاد كانوا عبدة أوثان، وقد تقدّم مثل هذا في الأعراف. وقيل: هم عاد الأولى وعاد الأخرى، فهؤلاء هم عاد الأولى، وعاد الأخرى هم: شداد ولقمان وقومهما المذكورون في قوله: {إِرَمَ ذَاتِ العماد} [الفجر: 7]، وأصل عاد، اسم رجل، ثم صار اسماً للقبيلة كتميم وبكر، ونحوهما {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} قرئ: {غيره} بالجرّ على اللفظ. وبالرفع على محل من إله، وقرئ بالنصب على الاستثناء {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} أي: ما أنتم باتخاذ إله غير الله إلا كاذبون على الله عزّ وجلّ، ثم خاطبهم فقال: {لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} أي: لا أطلب منكم أجراً على ما أبلغه إليكم، وأنصحكم به من الإرشاد إلى عبادة الله وحده، وأنه لا إله لكم سواه، فالضمير راجع إلى مضمون هذا الكلام.
وقد تقدّم معنى هذا في قصة نوح {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} أي: ما أجري الذي أطلب إلا من الذي فطرني: أي: خلقني فهو الذي يثيبني على ذلك {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن أجر الناصحين إنما هو من ربّ العالمين. قيل: إنما قال فيما تقدّم في قصة نوح: مالاً، وهنا قال: أجراً لذكر الخزائن بعده في قصة نوح، ولفظ المال بها أليق، ثم أرشدهم إلى الاستغفار والتوبة. والمعنى: اطلبوا مغفرته لما سلف من ذنوبكم، ثم توسلوا إليه بالتوبة.
وقد تقدّم زيادة بيان لمثل هذا في قصة نوح، ثم رغبهم في الإيمان بالخير العاجل، فقال: {يُرْسِلِ السماء} أي: المطر {عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً} أي: كثير الدرور، وهو منصوب على الحال، درّت السماء تدرّ، وتدرّ، فهي: مدرار، وكان قوم هود أهل بساتين، وزرع، وعمارة، وكانت مساكنهم الرمال التي بين الشام واليمن {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} معطوف على يرسل: أي: شدّة مضافة إلى شدّتكم، أو خصباً إلى خصبكم، أو عزّاً إلى عزّكم. قال الزجاج: المعنى يزدكم قوّة في النعم {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} أي: لا تعرضوا عما أدعوكم إليه، وتقيموا على الكفر مصرّين عليه، والإجرام: الآثام كما تقدّم.
ثم أجابه قومه بما يدلّ على فرط جهالتهم، وعظيم غباوتهم، فقالوا {ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ} أي: بحجة واضحة نعمل عليها، ونؤمن لك بها غير معترفين بما جاءهم به من حجج الله وبراهينه، عناداً وبعداً عن الحق {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا} التي نعبدها من دون الله، ومعنى: {عَن قَوْلِكَ} صادرين عن قولك، فالظرف في محل نصب على الحال {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي: بمصدّقين في شيء مما جئت به {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} أي: ما نقول إلا أنه أصابك بعض آلهتنا التي تعيبها، وتسفه رأينا في عبادتها بسوء بجنون، حتى نشأ عن جنونك ما تقوله لنا، وتكرره علينا من التنفير عنها، يقال عراه الأمر واعتراه: إذا ألمّ به، فأجابهم بما يدلّ على عدم مبالاته بهم، وعلى وثوقه بربه وتوكله عليه، وأنهم لا يقدرون على شيء مما يريده الكفار به، بل الله سبحانه هو الضارّ النافع فقال: {إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا} أنتم {إِنّى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ} به {مِن دُونِهِ} أي: من إشراككم من دون الله من غير أن ينزل به سلطاناً {فَكِيدُونِى جَمِيعًا} أنتم وآلهتكم إن كانت كما تزعمون من أنها تقدر على الإضرار بي، وأنها اعترتني بسوء {ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} أي: لا تمهلوني، بل عاجلوني واصنعوا ما بدا لكم؛ وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التي يعبدونها ما يصكّ مسامعهم، ويوضح عجزهم، وعدم قدرتهم على شيء.
{إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبّى وَرَبّكُمْ} فهو: يعصمني من كيدكم، وإن بلغتم في تطلب وجوه الإضرار بي كل مبلغ، فمن توكل على الله كفاه. ثم لما بين لهم توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته، وصفه بما يوجب التوكل عليه والتفويض إليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم، وأنه مالك للجميع، وأن ناصية كل دابة من دوابّ الأرض بيده، وفي قبضته وتحت قهره، وهو تمثيل لغاية التسخير ونهاية التذليل، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه، والمنّ عليه جزوا ناصيته، فجعلوا ذلك علامة لقهره. قال الفراء: معنى آخذ بناصيتها: مالكها والقادر عليها، وقال القتيبي: قاهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته. والناصية: قصاص الشعر من مقدّم الرأس؛ ثم علل ما تقدّم بقوله: {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي: هو على الحق والعدل، فلا يكاد يسلطكم عليّ {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تتولوا فحذفت إحدى التاءين، والمعنى: فإن تستمروا على الإعراض عن الإجابة والتصميم على ما أنتم عليه من الكفر {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} ليس عليّ إلا ذلك، وقد لزمتكم الحجة {وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ} جملة مستأنفة لتقرير الوعيد بالهلاك، أي يستخلف في دياركم وأموالكم قوماً آخرين، ويجوز أن يكون عطفاً على {فقد أبلغتكم}.
وروى حفص عن عاصم أنه قرأ: {ويستخلف} بالجزم حملاً على موضع فقد أبلغتكم {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} أي: بتوليكم، ولا تقدرون على كثير من الضرر ولا حقير {إِنَّ رَبّى على كُلّ شَئ حَفِيظٌ} أي رقيب مهيمن عليه يحفظه من كل شيء، قيل: و{على} بمعنى اللام، فيكون المعنى: لكل شيء حفيظ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء.
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: عذابنا الذي هو إهلاك عاد {نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} من قومه {بِرَحْمَةٍ مّنَّا} أي: برحمة عظيمة كائنة منا؛ لأنه لا ينجو أحد إلا برحمة الله، وقيل هي الإيمان {مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي: شديد، قيل: وهو السموم التي كانت تدخل أنوفهم {وَتِلْكَ عَاد} مبتدأ وخبر، وأنث الإشارة اعتباراً بالقبيلة. قال الكسائي: إن من العرب من لا يصرف عاد ويجعله أسماء للقبيلة {جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ} أي: كفروا بها، وكذبوها وأنكروا المعجزات {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} أي: هوداً وحده؛ لأنه لم يكن في عصره رسول سواه، وإنما جمع هنا؛ لأنّ من كذب رسولاً فقد كذب جميع الرسل. وقيل: إنهم عصوا هوداً ومن كان قبله من الرسل، أو كانوا بحيث لو بعث الله إليهم رسلاً متعدّدين لكذبوهم {واتبعوا أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} الجبار: المتكبر، والعنيد: الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له. قال أبو عبيدة: العنيد العنود والعاند والمعاند، وهو المعارض بالخلاف منه، ومنه قيل للعرق الذي يتفجر بالدم، عاند. قال الراجز:
إني كبير لا أطيق العندا ***
{وَأُتْبِعُواْ فِى هذه الدنيا لَعْنَةً} أي: ألحقوها، وهي: الإبعاد من الرحمة والطرد من الخير، والمعنى: أنها لازمة لهم لا تفارقهم ما داموا في الدنيا وأتبعوها {يَوْمُ القيامة} فلعنوا هنالك كما لعنوا في الدنيا {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} أي: بربهم.
وقال الفراء: كفروا نعمة ربهم، يقال: كفرته وكفرت به: مثل: شكرته وشكرت له {أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} أي: لا زالوا مبعدين من رحمة الله، والبعد: الهلاك، والبعد: التباعد من الخير، يقال: بعد يبعد بعداً: إذا تأخر وتباعد، وبعد يبعد بعداً: إذا هلك، ومنه قول الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين هم *** سم العداة وآفة الجزر
وقال النابغة:
فلا تبعدن إنّ المنية منهل *** وكل امرئ يوماً به الحال زائل
ومنه قول الشاعر:
ما كان ينفعني مقال نسائهم *** وقتلت دون رجالهم لا تبعد
وقد تقدّم أن العرب تستعمله في الدعاء بالهلاك.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة {إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} أي: خلقني.
وأخرج ابن عساكر، عن الضحاك، قال: أمسك الله عن عاد القطر ثلاث سنين، فقال لهم هود {استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً} فأبوا إلا تمادياً.
وأخرج أبو الشيخ، عن هارون التيمي، في قوله: {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً} قال: المطر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} قال: شدّة إلى شدّتكم.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عكرمة، في قوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} قال: ولد الولد.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، في قوله: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} قال: أصابتك بالجنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد قال: ما من أحد يخاف لصاً عادياً، أو سبعاً ضارياً، أو شيطاناً مارداً فيتلو هذه الآية إلا صرفه الله عنه.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن مجاهد {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} قال: الحق.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي مالك، في قوله: {عَذَابٍ غَلِيظٍ} قال: شديد.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} قال: المشرك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ، قال: العنيد المشاقّ.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {وَأُتْبِعُواْ فِى هذه الدنيا لَعْنَةً} قال: لم يبعث نبيّ بعد عاد إلا لعنت على لسانه.
وأخرج ابن المنذر، عن قتادة، في الآية قال: تتابعت عليهم لعنتان من الله: لعنة في الدنيا، ولعنة في الآخرة.


قوله: {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا} معطوف على ما تقدّم. والتقدير: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً، والكلام فيه، وفي قوله: {ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} كما تقدّم في قصة هود. وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب: {وإلى ثمود} بالتنوين في جميع المواضع. واختلف سائر القراء فيه، فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع، فالصرف باعتبار التأويل بالحيّ، والمنع باعتبار التأويل بالقبيلة، وهكذا سائر ما يصح فيه التأويلان، وأنشد سيبويه في التأنيث باعتبار التأويل بالقبيلة:
غلب المساميح الوليد جماعة *** وكفى قريش المعضلات وسادها
{هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض} أي: ابتدأ خلقكم من الأرض، لأن كل بني آدم من صلب آدم، وهو مخلوق من الأرض {واستعمركم فِيهَا} أي: جعلكم عمارها وسكانها، من قولهم أعمر فلان فلاناً داره، فهي له عمرى، فيكون استفعل بمعنى أفعل: مثل استجاب بمعنى أجاب.
وقال الضحاك: معناه: أطال أعماركم، وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف. وقيل: معناه أمركم بعمارتها من بناء المساكن وغرس الأشجار {فاستغفروه} أي: سلوه المغفرة لكم من عبادة الأصنام {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} أي: ارجعوا إلى عبادته {إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} أي: قريب الإجابة لمن دعاه، وقد تقدّم القول فيه في البقرة عند قوله تعالى: {فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداعى} [البقرة: 186] {قَالُواْ ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا} أي: كنا نرجو أن تكون فيناً سيداً مطاعاً ننتفع برأيك، ونسعد بسيادتك قبل هذا الذي أظهرته من ادّعائك النبوّة، ودعوتك إلى التوحيد. وقيل: كان صالح يعيب آلهتهم، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم، فلما دعاهم إلى الله قالوا انقطع رجاؤنا منك، والاستفهام في قوله: {أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} للإنكار، أنكروا عليه هذا النهي، وأن نعبد في محل نصب بحذف الجار: أي بأن نعبد، ومعنى ما يعبد آباؤنا: ما كان يعبد آباؤنا، فهو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة {وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} من أربته، فأنا أريبه: إذا فعلت به فعلاً يوجب له الريبة، وهي: قلق النفس وانتفاء الطمأنينة، أو من أراب الرجل: إذا كان ذا ريبة، والمعنى: إننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده، وترك عبادة الأوثان موقع في الريب.
{قَالَ يَاقَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} أي: حجة ظاهرة وبرهان صحيح {وَآتَانِي مِنْهُ} أي: من جهته {رَحْمَةً} أي: نبوّة، وهذه الأمور وإن كانت متحققة الوقوع، لكنها صدّرت بكلمة الشك اعتباراً بحال المخاطبين، لأنهم في شك من ذلك، كما وصفوه عن أنفسهم {فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله} استفهام معناه النفي: أي لا ناصر لي يمنعني من عذاب الله {إِنْ عَصَيْتُهُ} في تبليغ الرسالة، وراقبتكم وفترت عما يجب عليّ من البلاغ {فَمَا تَزِيدُونَنِى} بتثبيطكم إياي {غَيْرَ تَخْسِيرٍ} بأن تجعلوني خاسراً بإبطال عملي، والتعرّض لعقوبة الله لي.
قال الفراء: أي تضليل وإبعاد من الخير. وقيل: المعنى: فما تزيدونني باحتجاجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم.
قوله: {وياقوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} قد مرّ تفسير هذه الآية في الأعراف، ومعنى {لكم آية}: معجزة ظاهرة، وهي منتصبة على الحال، ولكم في محل نصب على الحال من {آية} مقدّمة عليها، ولو تأخرت لكانت صفة لها. وقيل: إن ناقة الله بدل من هذه، والخبر لكم، والأوّل: أولى، وإنما قال: {ناقة الله} لأنه أخرجها لهم من جبل على حسب اقتراحهم. وقيل: من صخرة صماء {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ الله} أي: دعوها تأكل في أرض الله مما فيها من المراعي التي تأكلها الحيوانات. قال أبو إسحاق الزجاج: ويجوز رفع تأكل على الحال والاستئناف، ولعله يعني في الأصل على ما تقتضيه لغة العرب لا في الآية، فالمعتمد القراءات المروية على وجه الصحة {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} قال الفراء: بعقر، والظاهر أن النهي عما هو أعمّ من ذلك {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} جواب النهي: أي قريب من عقرها. وذلك ثلاثة أيام {فَعَقَرُوهَا} أي: فلم يمتثلوا الأمر من صالح ولا النهي، بل خالفوا كل ذلك فوقع منهم العقر لها {فَقَالَ} لهم صالح {تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ} أي: تمتعوا بالعيش في منازلكم ثلاثة أيام، فإن العقاب نازل عليكم بعدها.
قيل: إنهم عقروها يوم الأربعاء، فأقاموا الخميس والجمعة والسبت، وأتاهم العذاب يوم الأحد، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} أي: غير مكذوب فيه، فحذف الجارّ اتساعاً، أو من باب المجاز، كأن الوعد إذا وفى به صدق ولم يكذب، ويجوز أن يكون مصدراً: أي وعد غير كذب.
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: عذابنا، أو أمرنا بوقوع العذاب {نَجَّيْنَا صالحا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا} قد تقدّم تفسير هذا في قصة هود {وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ} أي: ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة، والخزي: الذل والمهانة. وقيل: من عذاب يوم القيامة، والأوّل: أولى. وقرأ نافع والكسائي بفتح {يوم} على أنه اكتسب البناء من المضاف إليه. وقرأ الباقون بالكسر {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوى العزيز} القادر الغالب الذي لا يعجزه شيء {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} أي: في اليوم الرابع من عقر الناقة، صيح بهم فماتوا، وذكر الفعل لأن الصيحة والصياح واحد، مع كون التأنيث غير حقيقي. قيل: صيحة جبريل، وقيل: صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم وماتوا، وتقدّم في الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} [الأعراف: 78] قيل: ولعلها وقعت عقب الصيحة {فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جاثمين} أي: ساقطين على وجوههم موتى قد لصقوا بالتراب كالطير إذا جثمت {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} أي: كأنهم لم يقيموا في بلادهم أو ديارهم، والجملة في محل نصب على الحال والتقدير: مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط {إِلا إن ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} وضع الظاهر موضع المضمر؛ لزيادة البيان، وصرح بكفرهم مع كونه معلوماً تعليلاً للدعاء عليهم بقوله: {أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ} وقرأ الكسائي بالتنوين.
وقد تقدم تفسير هذه القصة في الأعراف بما يحتاج إلى مراجعته ليضم ما في إحدى القصتين من الفوائد إلى الأخرى.
وقد أخرج أبو الشيخ، عن السديّ {هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض} قال: خلقكم من الأرض.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد {واستعمركم فِيهَا} قال: أعمركم فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد {واستعمركم فِيهَا} قال: استخلفكم فيها.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن مجاهد {فَمَا تَزِيدُونَنِى غَيْرَ تَخْسِيرٍ} يقول: ما تزدادون أنتم إلا خساراً.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عطاء الخراساني نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد، في قوله: {فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جاثمين} قال: ميتين.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} قال: كأن لم يعيشوا فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، قال: كأن لم يعمروا فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة، قال: كأن لم ينعموا فيها.


هذه قصة لوط عليه السلام وقومه، وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام، وكانت قرى لوط بنواحي الشام، وإبراهيم ببلاد فلسطين. فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط، مرّوا بإبراهيم ونزلوا عنده، وكان كل من نزل عنده يحسن قراه، وكان مرورهم عليه لتبشيره بهذه البشارة المذكورة، فظنهم أضيافاً، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل: كانوا تسعة. وقيل: أحد عشر، والبشرى التي بشروه بها هي بشارته بالولد. وقيل: بإهلاك قوم لوط. والأولى: أولى. {قَالُواْ سَلاَماً} منصوب بفعل مقدر: أي سلمنا عليك سلاماً {قَالَ سلام} ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي أمركم سلام، أو مرتفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: عليكم سلام {فَمَا لَبِثَ} أي: إبراهيم {أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} قال أكثر النحويين (أن) هنا بمعنى حتى أي: فما لبث حتى جاء. وقيل: إنها في محل نصب بسقوط حرف الجر، والتقدير فما لبث عن أن جاء: أي ما أبطأ إبراهيم عن مجيئه بعجل، و{ما} نافية قاله: سيبويه.
وقال الفراء: فما لبث مجيئه، أي ما أبطأ مجيئه. وقيل: إن {ما} موصولة وهي: مبتدأ والخبر {أن جاء بعجل حنيذ}. والتقدير: فالذي لبث إبراهيم هو مجيؤه بعجل حنيذ، والحنيذ: المشويّ مطلقاً. وقيل: المشويّ بحرّ الحجارة من غير أن تمسه النار، يقال: حنذ الشاة يحنذها: جعلها فوق حجارة محماة لتنضجها فهي: حنيذ. وقيل: معنى حنيذ: سمين. وقيل: الحنيذ: هو: السميط. وقيل: النضيج، وهو فعيل بمعنى مفعول، وإنما جاءهم بعجل، لأن البقر كانت أكثر أمواله {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} أي: لا يمدونها إلى العجل كما يمدّ يده من يريد الأكل {نَكِرَهُمْ} يقال: نكرته وأنكرته واستنكرته: إذا وجدته على غير ما تعهد، ومنه قول الشاعر:
فأنكرتني وما كان الذي نكرت *** من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فجمع بين اللغتين، ومما جمع فيه بين اللغتين قول الشاعر:
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها *** خرجت مع البازي عليّ سواد
وقيل: يقال: أنكرت لما تراه بعينك، ونكرت لما تراه بقلبك، قيل: وإنما استنكر منهم ذلك، لأن عادتهم أن الضيف إذا نزل بهم ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه قد جاء بشرّ {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ} أي: أحسّ في نفسه منهم {خِيفَةً} أي: خوفاً وفزعاً. وقيل: معنى أوجس: أضمر في نفسه خيفة، والأول ألصق بالمعنى اللغوي، ومنه قول الشاعر:
جاء البريد بقرطاس يحث به *** فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
وكأنه ظنّ أنهم قد نزلوا به لأمر ينكره، أو لتعذيب قومه {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} قالوا له هذه المقالة مع كونه لم يتكلم بما يدل على الخوف، بل أوجس ذلك في نفسه، فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه، أو قالوه له بعدما قال عقب ما أوجس في نفسه من الخيفة قولاً يدلّ على الخوف، كما في قوله في سورة الحجر: {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر: 52]، ولم يذكر ذلك ها هنا اكتفاء بما هنالك، ثم علّلوا نهيه عن الخوف بقولهم: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} أي: أرسلنا إليهم خاصة، ويمكن أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال قولاً يكون هذا جواباً عنه {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون * قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} [الذاريات: 31، 32]. وجملة {وامرأته قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} في محل نصب على الحال، قيل: كانت قائمة عند تحاورهم وراء الستر. وقيل: كانت قائمة تخدم الملائكة وهو جالس. والضحك هنا هو الضحك المعروف الذي يكون للتعجب أو للسرور كما قاله الجمهور.
وقال مجاهد وعكرمة: إنه الحيض، ومنه قول الشاعر:
وإني لآتي العرس عند طهورها *** وأهجرها يوماً إذا تك ضاحكاً
وقال الآخر:
وضحك الأرانب فوق الصفا *** كمثل دم الخوف يوم اللقا
والعرب تقول ضحكت الأرانب: إذا حاضت.
وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت. {فبشرناها بإسحاق} ظاهره أن التبشير كان بعد الضحك.
وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير. والمعنى: فبشرناها فضحكت سروراً بالولد. وقرأ محمد بن زياد من قراء مكة {فضحكت} بفتح الحاء، وأنكره المهدوي. {وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ} قرأ حمزة، وابن عامر، وحفص بنصب {يعقوب} على أنه مفعول فعل دل عليه {فبشرناها} كأنه قال: ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب. وأجاز الكسائي، والأخفش، وأبو حاتم أن يكون {يعقوب} في موضع جرّ.
وقال الفراء: لا يجوز الجرّ إلا بإعادة حرفه. قال سيبويه: ولو قلت: مررت بزيد أوّل من أمس، وأمس عمر، كان قبيحاً خبيثاً، لأنك فرقت بين المجرور، وما يشركه، كما يفرق بين الجار والمجرور. وقرأ الباقون برفع {يعقوب} على أنه مبتدأ وخبره الظرف الذي قبله. وقيل: الرفع بتقدير فعل محذوف، أي ويحدث لها، أو وثبت لها.
وقد وقع التبشير هنا لها، ووقع لإبراهيم في قوله تعالى: {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} [الصافات: 101] {وَبَشَّرُوهُ بغلام عَلَيمٍ} [الذاريات: 28]، لأن كل واحد منهما مستحق للبشارة به لكونه منهما.
وجملة: {قَالَتْ ياويلتا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل: فماذا قالت؟ قال الزجاج: أصلها يا ويلتي، فأبدل من الياء ألف لأنها أخفّ من الياء والكسرة، وهي لم ترد الدعاء على نفسها بالويل، ولكنها كلمة تقع كثيراً على أفواه النساء إذا طرأ عليهنّ ما يعجبن منه، وأصل الويل: الخزي، ثم شاع في كل أمر فظيع، والاستفهام في قولها: {ءأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} للتعجب: أي: كيف ألد وأنا شيخة قد طعنت في السنّ، يقال: عجزت تعجز مخففاً ومثقلاً عجزاً وتعجيزا: أي: طعنت في السنّ.
ويقال: عجوز وعجوزة، وأما عجزت بكسر الجيم: فمعناه عظمت عجيزتها. قيل: كانت بنت تسع وتسعين، وقيل: بنت تسعين {وهذا بَعْلِى شَيْخًا} أي: وهذا زوجي إبراهيم شيخاً لا تحبل من مثله النساء، و{شيخاً} منتصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة. قال النحاس: وفي قراءة أبيّ وابن مسعود: {شيخ} بالرفع على أنه خبر المبتدأ، أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف، وعلى الأول يكون {بعلى} بدلاً من اسم الإشارة. قيل: كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة. وقيل: ابن مائة، وهذه المبشرة هي سارة امرأة إبراهيم.
وقد كان ولد لإبراهيم من هاجر أمته إسماعيل، فتمنت سارة أن يكون لها ابن، وأيست منه لكبر سنها، فبشرها الله به على لسان ملائكته {إِنَّ هذا لَشَئ عَجِيبٌ} أي: ما ذكرته الملائكة من التبشير بحصول الولد، مع كونها في هذه السنّ العالية التي لا يولد لمثلها شيء يقضي منه العجب.
وجملة {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، والاستفهام فيها للإنكار: أي كيف تعجبين من قضاء الله وقدره، وهو لا يستحيل عليه شيء، وإنما أنكروا عليها مع كون ما تعجبت منه من خوارق العادة لأنها من بيت النبوّة، ولا يخفى على مثلها أن هذا من مقدوراته سبحانه، ولهذا قالوا: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} أي: الرحمة التي وسعت كل شيء، والبركات وهي: النموّ والزيادة. وقيل الرحمة: النبوّة، والبركات: الأسباط من بني إسرائيل لما فيهم من الأنبياء، وانتصاب {أهل البيت} على المدح أو الاختصاص، وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع لقصد التعميم {إِنَّهُ حَمِيدٌ} أي: يفعل موجبات حمده من عباده على سبيل الكثرة {مَّجِيدٌ} كثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات، والجملة تعليل لقوله: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت}. قوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع} أي: الخيفة التي أوجسها في نفسه، يقال ارتاع من كذا: إذا خاف، ومنه قول النابغة:
فارتاع من صوت كلاب فبات له *** طوع الشوامت من خوف ومن حذر
{وَجَاءتْهُ البشرى} أي: بالولد، أو بقولهم: لا تخف، قوله: {يجادلنا فِى قَوْمِ لُوطٍ} قال الأخفش والكسائي: إن {يجادلنا} في موضع جادلنا، فيكون هو جواب {لما}. لما تقرّر من أن جوابها يكون بالماضي لا بالمستقبل. قال النحاس: جعل المستقبل مكانه كما يجعل الماضي مكان المستقبل في الشرط، وقيل: إن الجواب محذوف، و{يجادلنا} في موضع نصب على الحال، قاله الفراء. وتقديره: فلما ذهب عنه الروع وجاءته البشرى اجترأ على خطابنا حال كونه يجادلنا: أي يجادل رسلنا. وقيل: إن المعنى: أخذ يجادلنا، ومجادلته لهم قيل: إنه سمع قولهم: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية} [العنكبوت: 31] قال: أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا، قال: فأربعون؟ قالوا: لا، قال: فعشرون؟ قالوا: لا، ثم قال: فعشرة، فخمسة؟ قالوا: لا. قال: فواحد؟ قالوا: لا {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [العنكبوت: 32] الآية، فهذا معنى مجادلته في قوم لوط، أي في شأنهم وأمرهم. ثم أثنوا على إبراهيم، أو أثنى الله عليه فقال: {إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ} أي: ليس بعجول في الأمور، ولا بموقع لها على غير ما ينبغي. والأوّاه: كثير التأوّه، والمنيب: الراجع إلى الله.
وقد تقدّم في براءة الكلام على الأوّاه.
قوله: {يإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا} هذا قول الملائكة له: أي أعرض عن هذا الجدال في أمر قد فرغ منه، وجفّ به القلم، وحقّ به القضاء {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ} الضمير للشأن، ومعنى مجيء أمر الله: مجيء عذابه الذي قدّره عليهم، وسبق به قضاؤه {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} أي: لا يردّه دعاء ولا جدال، بل هو واقع بهم لا محالة، ونازل بهم على كل حال، ليس بمصروف ولا مدفوع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، عن عثمان بن محصن، في ضيف إبراهيم قال: كانوا أربعة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ورافئيل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس، في قوله: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} قال: نضيج.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، قال: مشويّ.
وأخرج أبو الشيخ، عنه، أيضاً قال: سميط.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الضحاك قال: الحنيذ: الذي أنضج بالحجارة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن يزيد بن أبي يزيد البصري، في قوله: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} قال: لم ير لهم أيدياً فنكرهم، وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {نَكِرَهُمْ} قال: كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير، وأنه يحدّث نفسه بشرّ، ثم حدّثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضحكت امرأته.
وأخرج ابن المنذر، عن المغيرة قال: في مصحف ابن مسعود: {وامرأته قائمة وهو جالس}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد {وامرأته قَائِمَةٌ} قال: في خدمة أضياف إبراهيم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة قال: لما أوجس إبراهيم في نفسه خيفة حدّثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضحكت امرأته تعجباً مما فيه قوم لوط من الغفلة، ومما أتاهم من العذاب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس {فَضَحِكَتْ} قال: فحاضت وهي: بنت ثمان وتسعين سنة.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد، في قوله: {فَضَحِكَتْ} قال: حاضت، وكانت ابنة بضع وتسعين سنة، وكان إبراهيم ابن مائة سنة.
وأخرج أبو الشيخ، عن عكرمة قال: حاضت.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: {وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ} قال: هو ولد الولد.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء، عن حسان بن أبجر قال: كنت عند ابن عباس، فجاء رجل من هذيل، فقال له ابن عباس: ما فعل فلان؟ قال: مات وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء، فقال ابن عباس {فبشرناها بإسحاق وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ} قال: ولد الولد.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الشعب من طرق، عن ابن عباس أنه كان ينهى عن أن يزاد في جواب التحية على قولهم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويتلو هذه الآية {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت}.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد، في قوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع} قال: الفرق {يجادلنا فِى قَوْمِ لُوطٍ} قال: يخاصمنا.
وأخرج عبد الرزاق، وأبو الشيخ، عن قتادة في تفسير المجادلة قال: إنه قال لهم يومئذ: أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين؟ قالوا: إن كان فيهم خمسون لم نعذبهم، قال: أربعون؟ قالوا: وأربعون. قال: ثلاثون؟ قالوا: وثلاثون، حتى بلغوا عشرة، قالوا: إن كان فيهم عشرة لم نعذبهم، قال: ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير؟ قال قتادة: إنه كان في قرية لوط أربعة آلاف ألف إنسان، أو ما شاء الله من ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس قال: لما جاءت الملائكة إلى إبراهيم قالوا لإبراهيم: إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب.
وأخرج أبو الشيخ، عن عمر بن ميمون قال: الأوّاه: الرحيم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: المنيب، المقبل إلى طاعة الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: المنيب المخلص.

1 | 2 | 3 | 4 | 5